فصل: تفسير الآيات (15- 17):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآية رقم (8):

{فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ (8)}
أي من فرقة باقية أو نفس باقية.
وقيل: من بقية.
وقيل: من بقاء. فاعلة بمعنى المصدر، نحو العاقبة والعافية. ويجوز أن يكون اسما، أي هل تجد لهم أحدا باقيا.
وقال ابن جريج: كانوا سبع ليال وثمانية أيام أحياء في عذاب الله من الريح، فلما أمسوا في اليوم الثامن ماتوا، فاحتملتهم الريح فألقتهم في البحر فذلك قوله عز وجل: {فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ} وقوله عز وجل: {فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ} [الأحقاف: 25].

.تفسير الآية رقم (9):

{وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ (9)}
قوله تعالى: {وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ} قرأ أبو عمرو والكسائي {ومن قبله} بكسر القاف وفتح الباء، أي ومن معه وتبعه من جنوده. واختاره أبو عبيد وأبو حاتم اعتبارا بقراءة عبد الله وأبي {ومن معه}. وقرأ أبو موسى الأشعري {ومن تلقاءه}. الباقون قَبْلَهُ بفتح القاف وسكون الباء، أي ومن تقدمه من القرون الخالية والأمم الماضية. {وَالْمُؤْتَفِكاتُ} أي أهل قرى لوط. وقراءة العامة بالألف. وقرأ الحسن والجحدري {والمؤتفكة} على التوحيد. قال قتادة: إنما سميت قرى قوم لوط {مؤتفكات} لأنها ائتفكت بهم، أي انقلبت. وذكر الطبري عن محمد بن كعب القرظي قال: خمس قريات: صبعة وصعره وعمرة ودوما وسدوم، وهي القرية العظمى. {بِالْخاطِئَةِ} أي بالفعلة الخاطئة وهي المعصية والكفر.
وقال مجاهد: بالخطايا التي كانوا يفعلونها.
وقال الجرجاني: أي بالخطإ العظيم، فالخاطئة مصدر.

.تفسير الآية رقم (10):

{فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً (10)}
قوله تعالى: {فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ} قال الكلبي: هو موسى.
وقيل: هو لوط لأنه أقرب وقيل: عني موسى ولوطا عليهما السلام، كما قال تعالى: {فقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ} [الشعراء: 16].
وقيل: رَسُولَ بمعنى رسالة. وقد يعبر عن الرسالة بالرسول، قال الشاعر:
لقد كذب الواشون ما بحت عندهم ** بسر ولا أرسلتهم برسول

{فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً} أي عالية زائدة على الآخذات وعلى عذاب الأمم. ومنه الربا إذا أخذ في الذهب والفضة أكثر مما أعطى. يقال: ربا الشيء يربو أي زاد وتضاعف.
وقال مجاهد: شديدة. كأنه أراد زائدة في الشدة.

.تفسير الآيات (11- 12):

{إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ (11) لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ (12)}
قوله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ} أي أرتفع وعلا.
وقال علي رضي الله عنه: طغى على خزانه من الملائكة غضبا لربه فلم يقدروا على حبسه. قال قتادة: زاد على كل شيء خمسة عشر ذراعا.
وقال ابن عباس: طغى الماء زمن نوح على خزانه فكثر عليهم فلم يدروا كم خرج. وليس من الماء قطرة تنزل قبله ولا بعده إلا بكيل معلوم غير ذلك اليوم. وقد مضى هذا مرفوعا أول السورة. والمقصود من قصص هذه الأمم وذكر ما حل بهم من العذاب: زجر هذه الامة عن الاقتداء بهم في معصية الرسول. ثم من عليهم بأن جعلهم ذرية من نجا من الغرق بقوله: حَمَلْناكُمْ أي حملنا آباءكم وأنتم في أصلابهم. {فِي الْجارِيَةِ} أي في السفن الجارية. والمحمول في الجارية نوح وأولاده، وكل من على وجه الأرض من نسل أولئك. {لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً}
يعني سفينة نوح عليه الصلاة والسلام. جعلها الله تذكرة وعظه لهذه الامة حتى أدركها أوائلهم، في قول قتادة. قال ابن جريج: كانت ألواحها على الجودي. والمعنى: أبقيت لكم تلك الخشبات حتى تذكروا ما حل بقوم نوح، وإنجاء الله آباءكم، وكم من سفينة هلكت وصارت ترابا ولم يبق منها شي.
وقيل: لنجعل تلك الفعلة من إغراق قوم نوح وإنجاء من آمن معه موعظة لكم، ولهذا قال الله تعالى: {وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ}
أي تحفظها وتسمعها أذن حافظة لما جاء من عند الله. والسفينة لا توصف بهذا. قال الزجاج: ويقال وعيت كذا أي حفظته في نفسي، أعيه وعيا. ووعيت العلم، ووعيت ما قلت، كله بمعنى. وأوعيت المتاع في الوعاء. قال الزجاج: يقال لكل ما حفظته في غير نفسك: أوعيته بالألف، ولما حفظته في نفسك وعيته بغير ألف. وقرأ طلحة وحميد والأعرج: {وَتَعِيَها} بإسكان العين، تشبيها بقوله: {أَرِنا} [البقرة: 128]. وأختلف فيها عن عاصم وابن كثير. الباقون بكسر العين، ونظير قوله تعالى: {وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ} {إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق: 37].
وقال قتادة: الاذن الواعية أذن عقلت عن الله تعالى، وانتفعت بما سمعت من كتاب الله عز وجل.
وروى مكحول أن النبي صلي الله عليه وسلم قال عند نزول هذه الآية: «سألت ربي أن يجعلها أذن علي». قال مكحول: فكان علي رضي الله عنه يقول ما سمعت من رسول الله صلي الله عليه وسلم شيئا قط فنسيته إلا وحفظته. ذكره الماوردي. وعن الحسن نحوه ذكره الثعلبي قال: لما نزلت وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ قال النبي صلي الله عليه وسلم: «سألت ربي أن يجعلها أذنك يا علي» قال علي: فوالله ما نسيت شيئا بعد، وما كان لي أن أنسى.
وقال أبو برزة الأسلمي قال النبي صلي الله عليه وسلم لعلي: «يا علي إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك وأن أعلمك وأن تعي وحق على الله أن تعي».

.تفسير الآية رقم (13):

{فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (13)}
قال ابن عباس: هي النفخة الأولى لقيام الساعة، فلم يبق أحد إلا مات. وجاز تذكير نُفِخَ لان تأنيث النفخة غير حقيقي.
وقيل: إن هذه النفخة هي الأخيرة. وقال: نَفْخَةٌ واحِدَةٌ أي لا تثنى. قال الأخفش: ووقع الفعل على النفخة إذ لم يكن قبلها اسم مرفوع فقيل: نفخة. ويجوز {نفخة} نصبا على المصدر. وبها قرأ أبو السمال. أو يقال: أقتصر على الاخبار عن الفعل كما تقول: ضرب ضربا.
وقال الزجاج: فِي الصُّورِ يقوم مقام ما لم يسم فاعله.

.تفسير الآية رقم (14):

{وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (14)}
قوله تعالى: {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ} قراءة العامة بتخفيف الميم، أي رفعت من أماكنها. {فَدُكَّتا} أي فتتا وكسرتا. {دَكَّةً واحِدَةً} لا يجوز في دَكَّةً إلا النصب لارتفاع الضمير في فَدُكَّتا.
وقال الفراء: لم يقل فدككن لأنه جعل الجبال كلها كالجملة الواحدة، والأرض كالجملة الواحدة. ومثله: {أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً} [الأنبياء: 30] ولم يقل كن. وهذا الدك كالزلزلة، كما قال تعالى: {إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها} [الزلزلة: 1].
وقيل: فَدُكَّتا أي بسطتا بسطة واحدة، ومنه اندك سنام البعير إذا انفرش في ظهره. وقد مضى في سورة الأعراف القول فيه. وقرأ عبد الحميد عن ابن عامر {وحملت الأرض والجبال} بالتشديد على إسناد الفعل إلى المفعول الثاني. كأنه في الأصل وحملت قدرتنا أو ملكا من ملائكتنا الأرض والجبال، ثم أسند الفعل إلى المفعول الثاني فبني له. ولو جئ بالمفعول الأول لأسند الفعل إليه، فكأنه قال: وحملت قدرتنا الأرض. وقد يجوز بناؤه للثاني على وجه القلب فيقال: حملت الأرض الملك، كقولك: ألبس زيد الجبة، وألبست الجبة زيدا.

.تفسير الآيات (15- 17):

{فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ (17)}
قوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ} أي قامت القيامة. {وَانْشَقَّتِ السَّماءُ} أي انصدعت وتفطرت.
وقيل: تنشق لنزول ما فيها من الملائكة، دليله قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا} [الفرقان: 25] وقد تقدم. {فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ} أي ضعيفة. يقال: وهي البناء يهي وهيا فهو واه إذا ضعف جدا. ويقال: كلام واه، أي ضعيف. فقيل: إنها تصير بعد صلابتها بمنزلة الصوف في الوهي ويكون ذلك لنزول الملائكة كما ذكرنا.
وقيل: لهول يوم القيامة.
وقيل: واهِيَةٌ أي متخرقة، قاله ابن شجرة. مأخوذ من قولهم: وهى السقاء إذا تخرق. ومن أمثالهم:
خل سبيل من وهى سقاؤه ** ومن هريق بالفلاة ماؤه

أي من كان ضعيف العقل لا يحفظ نفسه. {وَالْمَلَكُ} يعني الملائكة، اسم للجنس. {عَلى أَرْجائِها} أي على أطرافها حين تنشق، لان السماء مكانهم، عن ابن عباس. الماوردي: ولعله قول مجاهد وقتادة. وحكاه الثعلبي عن الضحاك، قال: على أطرافها مما لم ينشق منها.
يريد أن السماء مكان الملائكة فإذا انشقت صاروا في أطرافها.
وقال سعيد بن جبير: المعنى والملك على حافات الدنيا، أي ينزلون إلى الأرض ويحرسون أطرافها.
وقيل: إذا صارت السماء قطعا تقف الملائكة على تلك القطع التي ليست متشققة في أنفسها.
وقيل: إن الناس إذا رأوا جهنم هالتهم، فيندوا كما تند الإبل، فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض إلا رأوا ملائكة فيرجعون من حيث جاءوا.
وقيل: عَلى أَرْجائِها ينتظرون ما يؤمرون به في أهل النار من السوق إليها، وفي أهل الجنة من التحية والكرامة. وهذا كله راجع إلى معنى قول ابن جبير. ويدل عليه: {وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا} [الفرقان: 25] وقوله تعالى: {يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} [الرحمن: 33] على ما بيناه هناك. والارجاء النواحي والأقطار بلغة هذيل، واحدها رجا مقصور، وتثنيته رجوان، مثل عصا وعصوان. قال الشاعر:
فلا يرمى بي الرجوان أني ** أقل القوم من يغني مكاني

ويقال ذلك لحرف البئر والقبر. قوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ} قال ابن عباس: ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عددهم إلا الله.
وقال ابن زيد: هم ثمانية أملاك. وعن الحسن: الله أعلم كم هم، ثمانية أم ثمانية آلاف. وعن النبي صلي الله عليه وسلم: «أن حملة العرش اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أيدهم الله تعالى بأربعة آخرين فكانوا ثمانية». ذكره الثعلبي. وخرجه الماوردي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «يحمله اليوم أربعة وهم يوم القيامة ثمانية».
وقال العباس بن عبد الملك: هم ثمانية أملاك على صورة الأوعال. ورواه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وفي الحديث: «إن لكل ملك منهم أربعة أوجه وجه رجل ووجه أسد ووجه ثور ووجه نسر وكل وجه منها يسأل الله الرزق لذلك الجنس». ولما أنشد بين يدي النبي صلي الله عليه وسلم قول أمية بن أبي الصلت:
رجل وثور تحت رجل يمينه ** والنسر للأخرى وليث مرصد

والشمس تطلع كل آخر ليلة ** حمراء يصبح لونها يتورد

ليست بطالعه لهم في رسلها ** إلا معذبة وإلا تجلد

قال النبي صلي الله عليه وسلم: «صدق».
وفي الخبر: «أن فوق السماء السابعة ثمانية أو عال بين أظلافهن وركبهن مثل ما بين سماء إلى سماء وفوق ظهورهن العرش». ذكره القشيري وخرجه الترمذي من حديث العباس بن عبد المطلب. وقد مضى في سورة البقرة بكماله. وذكر نحوه الثعلبي ولفظه.
وفي حديث مرفوع: «أن حملة العرش ثمانية أملاك على صورة الأوعال ما بين أظلافها إلى ركبها مسيرة سبعين عاما للطائر المسرع».
وفي تفسير الكلبي: ثمانية أجزاء من تسعة أجزاء من الملائكة. وعنه: ثمانية أجزاء من عشرة أجزاء من الملائكة. ثم ذكر عدة الملائكة بما يطول ذكره. حكى الأول عنه الثعلبي والثاني القشيري.
وقال الماوردي عن ابن عباس: ثمانية أجزاء من تسعة وهم الكروبيون. والمعنى ينزل بالعرش. ثم إضافة العرش إلى الله تعالى كإضافة البيت، وليس البيت للسكنى، فكذلك العرش. ومعنى: فَوْقَهُمْ أي فوق رؤوسهم. قال السدي: العرش تحمله الملائكة الحملة فوقهم ولا يحمل حملة العرش إلا الله.
وقيل: {فَوْقَهُمْ} أي إن حملة العرش فوق الملائكة الذين في السماء على أرجائها.
وقيل: فَوْقَهُمْ أي فوق أهل القيامة.